وأما ما عدا ذلك فنؤمن بما أنزل الله من الكتب إجمالاً، كما قال تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: ((فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ))[الشورى:15]، هذه الآية من سورة الشورى يقول عنها ابن كثير رحمه الله: هذه الآية لا نظير لها سوى آية الكرسي؛ لأنها تضمنت عشر جمل كل جملة لها معنى، كما هو الحال في آية الكرسي.
وقد ذكر المصنف رحمه الله آيات كثيرة، منها ما ذكر الله سبحانه وتعالى فيها اختلاف الأمم فقال: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ))[البقرة:213]، والقول الصحيح في تفسير قوله تعالى: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً))[البقرة:213] ما ذكره ابن عباس رضي الله تعالى عنه بقوله: [[أمة واحدة على التوحيد]]، أي: كان بين آدم ونوح عشرة قرون على التوحيد، حتى وقع الشرك في قوم نوح، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، والتقدير هنا: (كان الناس أمة واحدة على التوحيد، فاختلفوا فبعث الله النبيين)، وهذا من الإيجاز، وهو يسمى: الإيجاز بالحذف، وقوله: (فاختلفوا) قد رويت قراءةً عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لكنها غير متواترة، وهي: (كان الناس أمة واحدة فاختلفوا) إذاً: هذا هو القول الأول.
القول الثاني: أنهم كانوا أمة واحدة على الكفر، وقد نقل هذا القول عن بعض السلف، والذين قالوا بهذا القول لا يتصور أنهم ينكرون أن آدم عليه السلام وذريته الأولى كانوا على التوحيد؛ لكنهم نظروا إلى حال الناس عندما بعث نوح عليه السلام، فإن الشرك كان قد عم حتى أصبحوا أمة واحدة على الشرك، على قول هؤلاء، فأرسل الله سبحانه وتعالى الرسل، وأولهم نوح عليه السلام، ولكن هذا قول مرجوح، والصحيح أنهم كانوا أمة واحدة على التوحيد والإيمان الحق، فاختلفوا وتفرقوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب، والمقصود بالكتاب هنا جنس الكتاب.
فهذه الكتب نور من الله سبحانه وتعالى، وفيها حجج وبراهين وآيات عظيمة تقوم بها الحجة على العالمين، وقد أنزل الله تعالى الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، فيجب على الناس جميعاً أن يتحاكموا إلى ما أنزل الله تعالى من الوحي.
إذاً: فالكتاب يرد ويقصد به الكتب جميعاً، ويرد أيضاً ويقصد به القرآن وحده، وهذا في آيات كثيرة، كقوله تعالى: ((الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ))[يوسف:1].. ((تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ))[يونس:1] وغيرها.
وكل الكتب تدعو إلى شيء واحد هو عبادة الله وطاعته، والكفر بالطواغيت والأنداد وما يعبد من دون الله، فهي كتاب بهذا المعنى، وهي كتب باعتبار الأفراد، فما في التوراة غير ما في الإنجيل، وما في الإنجيل غير ما في القرآن، وما في القرآن غير ما في الزبور... إلخ.